أشباه الأطباء ولا أطباء

أشباه الأطباء ولا أطباء
الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:06

قبل بسط الكلام في هذا الموضوع لابد وأن نقرر قاعدة ذهبية لطالما أشرنا إليها في غير ما محفل أو مجلس وهي أن التعميم مجحف ولا يجوز، غير أن الكثرة الكاثرة التي تجترح أو تقترف الجرائر أو الجرائم تجعل الأمر أمام المرء مظلما، قاتما أسود النواحي بحيث لا يملك مع غياب التريث والتروي إلا أن يعمم فيصدر أحكاما قد لا ترضي كثيرا من الناس.


كذلك قبل أن نمعن في الذم نمدح بعض من يحسبون على مهنة الطب مدحا مستحقا حتى نخرج من مصيبة التعميم. قال تعالى” ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى” المائدة (8). أضف إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال “من قال هلك الناس فهو أهلكهم” فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت” و أهلكهم هنا بضم الكاف و قد تكون بفتحها أيضا، فلا أحد ينفي على هذه الأمة خيريتها و إن زاغ منها من زاغ و نكب منها عن الصراط من نكب.


هناك من الأطباء المخلصين المراقبين لله في أعمالهم من قد اشتغلوا في قرى نائية و خدموا أولئك الناس خدمة جليلة و صبروا فنالوا رضى الله ثم رضى الناس. تحملوا الظروف الصعبة لخدمتهم و لم يتركوهم للأجانب الذين يسدون خدمات ممتازة في الأرياف و الجبال الوعرة لكن غالبا مقابل “التبشير” بالمسيحية و أغراض أخرى الله أعلم بها. علاوة على ذلك، هناك من الأطباء من يرفض مص دماء الناس بأي وجه كان و من يتطوع في الحملات التي تشد فيها الرحال إلى أماكن بعيدة و أحيانا وعرة المسالك، بل منهم من تطوع مشكورا و جاد بالجهد و الراحة و المال في سبيل تضميد جراح إخوانه في غزة الصمود و الاستبسال. لكن، هناك على النقيض تماما من شوه سمعة هؤلاء و كان السمكة التي أنتنت السلة كلها!


قد ابتلينا في هذه الأيام بأشباه الأطباء. إذا رأيت الوزرة البيضاء الناصعة و السماعة أو المسماع الجذاب على الصدر، خلت أنك أمام رجل قد جمع مصنفات الطب كتاب الحاوي والقانون وغيرهما للرازي في أم رأسه وأنه يعلم كل ما جد في عالم الطب وأنه يتمتع بأخلاق عالية يراها المريض فتنقص حدة مرضه على التو بفضل ارتفاع المعنويات المفاجئ. كذلك إن رأيته أعجبك جسمه ومشيته ،لكن عندما تسمع كلامه تصاب بالتخمة وتعاف نفسك الاسترسال في الكلام.


حضرة الطبيب المٌداوي يدخن وعن يمينه وعن شماله مكتوب “مستشفى بدون تدخين”، فكيف لمريض أن يعالج المرضى وكيف له أن يغسل ثياب الناس وثوبه غارق في الرجس والنجـس؟ وللـه در الشافعي حيـن قــال:


يا واعظ الناس عما أنت فاعله يا من يعد عليه العـمر بالنـفس


احفظ لشـيبك من عيب يدنسه إن البياض قليل الحمل للـدنــس


كحامل لثياب الناس يغسلهــا وثوبه غارق في الرجس والنجس


تبغي النجاة ولم تسلك طريقتها إن السفينة لا تجري على اليبس


صفحة 66 : (ديوان الإمام الشافعي)


حضرة الطبيب المحترم يبتز الناس ويمص دماءهم، فهو شاهد زور بامتياز يعطي الشواهد الطبية بثمن محدد سلفا لتلاميذ المدارس يبررون غيابهم المفرط ولو لم يكن بهم بأس، كذلك لا يتورع الطبيب المسكين ولا يحذر مغبة توقيع الشواهد المرضية للموظفين في مختلف القطاعات و إن لم يكونوا مرضى و لو لم يكونوا في نفس البلدة التي هو فيها. تعطى الشهادة بسهولة فائقة بمكالمة هاتفية أو بإرسال شخص آخر ليسحبها عوض المعني بالأمر لبعده عنه بمئات الكيلومترات و لا تستغربن إن صدرت هذه الشواهد و ما أكثرها من قسم المستعجلات الذي لم ينشأ لهذا الغرض، فأعظم به من منكر يندى له الجبين و تتفتت له العظام أسى و حسرة.


و لكن لنقف هنا قليلا و نقل أن الوزارة الوصية مساهمة في هذه المؤامرة إذ ترغم الموظف على تبرير غيابه في جميع الأحوال فلا يجد إلا الشهادة الطبية ملاذا أخيرا، فلن يقبل منه تبرير غيرها إذا كان لديه ظرف آخر ملح غير المرض! لا بد من المرونة المعقولة تصاحب فصول القانون الوضعي الميكانيكي الفاقد للحس و المشاعر في أحايين كثيرة. إذا كنت تعمل في طنجة و أبوك قد توفي في الداخلة فليس لك في ما أعلم إلا ثلاثة أيام مثلك مثل الذي يعيش معه أبوه في نفس البيت و الأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى.


حضرة الطبيب متكالب على الدنيا جمع فأوعى و ابتز بشراهة فما أبقى، يعمل في القطاع العام و يتجاوزه إلى الخاص و لو أن القانون لا يسمح له بذلك،يملأ الوصفة الطبية بأنواع الأدوية وقد لا يجد غضاضة في إرسال المريض إلى صيدلية بعينها حتى يتسنى له فيما بعد اقتسام الغنيمة مع صاحبه ورفيق دربه الصيدلي.


الدكتور المحترم تلميذ مجتهد فاق الممرض بدرس واحد، ذاك الذي تجشم عناء أخذه أيام كلية الطب. لم يطلع يوما على توصيات منظمة الصحة العالمية


فهو غير عالم البتة بالجديد في مجاله بحيث مازال يصف نفس المضادات الحيوية التي عرفها أيام الدراسة، ولم يعلم المسكين أن بعضها منع وحذر منه من قبل منظمة الصحة المذكورة لعدم فعاليته و نجاعته.


حضرة الطبيب المحترم في غياب التواضع قد ينظر إليك شزرا و إن أردت أن تناقش أو تستفسر عن أمر ما قد لا يفسح لك المجال. هذا مع الذي يطلع و لديه من المعرفة الكثير أما مع الأمي فالأمر أطم و أنكر. ما العيب الذي يطال الطبيب و ما الشيء الذي ينقصه_ و لو كان مختصا في إحدى المجالات_ إذا تواضع و استفاد ممن هو أقل منه فكثيرا ما يفشل مختصو العظام على سبيل المثال لا الحصر في تعديل كسر بجبيرة أو غيرها في حين يفلح في جبر الضرر و تجاوز الوعكة بامتياز عجيب غريب رجل بسيط ما قرأ و لا درس قط و الأغرب و الأعجب من ذلك كله أنه ينجز ذلك ببيض و أشياء أخرى عادية جدا!


سعادة الطبيب يبيع رفقة آخرين و يشتري في أدوية و أجهزة الدولة و ما وقع في مستشفى ابن سينا بالرباط مؤخرا خير دليل، و لو أن لجان التفتيش جابت جل مستشفيات المملكة لاكتشفت عجبا عجابا عاجبا فيصير آنذاك حادث الرباط للمتتبعين شيئا عاديا. و لكل مواطن زار المستشفى يوما واحدا في حياته ألف حكاية سمعها أو عاينها بنفسه فأضمرها دهرا طويلا ما اشتكى و لا عبر عنها فضيع القضية!


لن يصل طائر المجتمع سالما غانما بغير جناحي الصحة الممتازة و التعليم الرفيع الكريم للجميع؛ و من نافلة القول أن نقرر أننا في أمس الحاجة إلى أطباء محسنين متقنين يراقبون رب البرية قبل أن يلتفتوا إلى عباده الضعفاء، يخافونهم أشد خيفة أو ترتعد فرائصهم من رؤية مجرد ظلهم، يحتسبون الأجر و التعب و السهر، ينصحون و لا يغشون، يبشون في وجوه الناس و لا يقطبون الجبين أو يعبسون.


[email protected]

‫تعليقات الزوار

7
  • habchane
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:18

    السلام عليكم
    تحية عطرة لهذا الخط التحريري الغيور على العباد والبلاد سلمت يمينك .فقد وضعت اليد غلى الجرح فاستمر فأول العلاج التشخيص :علك تسمع أحياءهم أما الموتى فيبعثهم الله

  • casawi
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:20

    سلمت أناملك يا أخ العرب.إذا غابت القيم عنا غاب كل شيء.

  • مواطنة غيورة
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:08

    هذا ذرة من المشكل ولكن الكل يعلم والكل ساخط والكل متذمر لكن الحلول غير واردة يجب البحث عن حل جدري لهذا الستهتار بصحة المواطن والدليل في مستشفى سلا ومراكزها الصحية كثير جدا

  • محمد
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:12

    سأحكي لكم عن الطب في المغرب,ما عايشت و شاهدته بأمي عيني.كان أبي مريضا بسكري و كان له جرح في أحد أصابعه في رجله اليمنى كانت آلامه شديدة,ذهبنا إلى المستشفى الكبير في مدينتنا فاس.انتظرنا ساعات. دفعنا مبلغا من المال فجاء الطبيب من دون فحص و بأسلوب غليظ و ملامح قاسية فكتب لنا إسم مضاض حيوي و انتهت مهمته بعدها زادت آلام والدي لدرجة أنه كان يصرخ و لا يستطيع النوم فأغمى عليه فحسبنا أنه سيموت ذهبنا به إلى مستشفى خاص فقاموا باستئصال أصبعه و استمر الإ ستئصال و استمر ارتفاع الفاتورة كذالك إلى أن استأصلوا رجله وقاموا بخياطتها كي تزيد خمجا لكي يزيدوا ربحا,زادت آلام والدي لدرجة أنه صار يصرخ و يخرف من هول الألم فجاء جار صديق لزيارته و لحسن الحظ كان ممرضا له خبرة مع مرضى السكري فرأى الجرح فصاح عاليا هذا تلاعب بأرواح الناس لا يعقل أن تتم خياطة الجرح لهذا المريض فتم فسخ الخياطة بسرعة من طرف دكتور آخر الذي أنقد والدي من الموت الحتمي فنزف الجرح بالقيح من شدة الإلتهاب و قال لنا كيف لطبيب جراح أن يقوم بهذا العمل إنه استهزاء بأرواح الناس فطال العلاج وكانت مصاريفه جد عالية ولله الحمد شوفي أبي بفظل الله .

  • mohamed
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:16

    السلام عليكم , يأخي انا اطلب من الله أن لا يصل أي مغربي محتاج إليهم ,أما إدا وصل إليهم فاالله في عونه . والسلام

  • عبدو
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:10

    احسنت اخي وجزاك الله خيرا لقد وضعت يدك على جرح الكثيرين من المغاربة المرضى والضعفاء الذين يقعون بين ايدي مصاصي دماء المرضى المستضعفين الذين يصدقون كل ما يقال لهم لظروف مرضهم المزرية ونفسيتهم المنحطة والتي يستغلها أطباء الغفلة الذين أدوا القسم أثناء تخرجهمدون الوفاء به . فأنا ممن اكتوى بنصبهم واستغلالهم لظروفي المرضية حيث كنت ضحية ابتزاز لأستاذة متخصصة وياحسرتاه في الطب الباطني ،فلاأجد ماأقوله في حقها إلا حسبي الله ونعم الوكيل فيها هي وصاحب العيادة والكاتبة التي تجمع لها الأموال زورا وبهتانا وبطرق لا تمت للمهنة وأخلاقياتها بصلة التي تشتغل فيها خلسة من وراء وزارة بادو المريضة المستأمنة على صحة المغاربة لكونها تعمل في القطاع العام .مرة أخرى أقول حسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

  • قيادة بني زولي، زاكورة و الطبي
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:14

    في أماكن أخرى هناك بعض الأطباء أشباه الرجال و لا رجال كما ذكر ذلك صاحب المقال مشكورا، لكن في هذه البقعة من الأرض حتى الطبيب الذي نصفه بالرجولة من عدمها لا يوجد البتة منذ أكثر من سنتين و الساكنة عددها كبير جدا. لا يوجد المسكين رغم أن داره جاهزة يسكن بها القائد الجديد في انتظار أن تبنى داره بجوارها.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات