العنف في المدرسة

العنف في المدرسة
السبت 2 فبراير 2013 - 12:00

تتوالى أحداث العنف في رحاب المدرسة المغربية..تزداد كثافة و تنوعا وتتطال كل الأعمار و كل المكونات تدخل الجريمة محراب المعرفة و التربية و الأخلأق حتى بات الجميع يتحدث عنها كواقع عادي بل كأثاث ضروري لحياتنا دخلت القسوة إلى المؤسسات التعليمية قسرا لتبحث لها عن مريدين و أصبحت السكاكين ترقد قرب كتب التربية الإسلامية و التربية على المواطنة في تآلف يشي بأننا دخلنا نفقا لا نعرف إلى أين يفضي بنا.

دخل الشارع بكل موبقاته وفوضاه إلى المدرسة يعيث فيها خرابا بينما المسؤولون التربويون و السياسيون لا زالوا يتشدقون بالمدرسة المواطنة التي تعتبر قاطرة اإصلاح تؤثر في المحيط وتسمو به . وبأنها من أحسن وسيلة تكوين المواطن المحب لبلده وعماد الرقي والتقدم أنبت هذا السلوك كائنا مسطولا فارغ العقل عديم الإرادة تائها لا يعرف أين يسير في الوقت الذي تكثر النظريات و الأطروحات حول التنشئة الإجتماعية و التربوية و المقاربات الحقوقية و مقاربات النوع و..و.. و

لقد تلاشت تلك العلاقة الوطيدة بين المجتمع و المدرسة

“أنا المدرسة اجعلني كأم لا تمل عنيذ

ولا تفزع كمأخوذ من البيت إلى السجن

أو كقول آخر في علاقة المدرسة و الأم: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق

إضمحلت تلك القداسة التي اتسمت بها المدرسة المغربية و انمحت تلك الصورة البهية التي كانت للمدرس في المجتمع
وهاهم أبناء هذا الوطن يخرجون من المدرسة كما دخلوها أول مرة عزلا من سلاح المعرفة عراة من محاسن الأخلاق أميون لا يفقهون شيئا في أمور الحياة و لا يعرفون حتى تراثهم الفكري المتنوع والغني هل سنقف مكتو في الأيدي حيال هذا العنف المخيف فتضيع أجيال و أجيال و هل فعلا لانملك إلا الإنتظار و الأسى على ماض كانت فيه المدرسة فعلا وسيلة للرقي و النمو و التقدم و مقاومة الجهل و التخلف هناك ثلاث مسلمات يجب أن ننطلق منها عندما نريد تحليل هذه الظاهرة وهي:

أولا: أن العنف في المدرسة ليس وليد اليوم بل تواجد مع الزمن و لكنه أصبح الآن ملفتا بل ظاهرة مخزية ومثبطة تؤثر سلبا على تقدم الوطن و تسبب في خسائر في الأرواح و المعدات والموارد.

ثانيا: أن العنف في المدرسة ليس ظاهرة خاصة بالبلدان المتخلفة بل يطال أعتى الدول حضارة و ثقافة و تقدما

ثالثا: أن العنف المعني هنا هو ذاك الذي يصبح ظاهرة ملفتة وليس ما تعرفه كل مدارس العالم من شغب المراهقين و شيطنة الأطفال

لقد أصبح العنف ظاهرة خطيرة تؤرق المجتمع كله وتثير الخوف في صفوف مرتادي المؤسسات التعليمية اقول ظاهرة لأنها تتكاثف بوتيرة سريعة و تطال جميع المناطق في للبلاد كما أن نوعية العنف و قوته تجاوزت الضرب و الجرح إلى التصفية الجسدية.

يصدر العنف عن الجميع .: تلاميذ أساتذة آباء عصابات مجرمين محترفين,و تتنوع وسائله من عنف لفظي إلى اعتداء جسدي إلى القتل العمد في استعمال مفرط للسكاكين و السيوف و العصي والحجارة.

تطالعنا الجرائد يوميا بقصص لا تصدق عن العنف المقصود و الممنهج و يتراوح أسبابه بين سوء تفاهم أو إنتقام أو شعور بالظلم أو شكاية كيدية أو كذب تلميذ عن أبيه أو خلاف مهني أو خلاف بسيط بين شخصين ينمو حتى يصبح مشكلا حقيقيا بسبب غياب تواصل حقيقي و واهتمام نفسي و اجتماعي بالتلميذ.

تتبادل مكونات المدرسة العنف في ما بينها : تلميذ أستاذ أستاذ تلميذ تلميذ تلميذ أستاذ أستاذ بشكل غير مسبوق و لكن الأدهى و الأمر أن العنف يأتي من خارج هذه المؤسسات التعليمية (من أب أو قريب تلميذ أو لصوص أو متسكعين و عصابات تصول و تجول داخل المؤسسات وتعتدي على التلاميذ و الأساتذة )
هل يمكن أن نعيد الظاهرة إلى حجمها الطبيعي ؟

نعم إذا فهمنا أن المدرسة مجتمع مصغر تتفاعل فيه كل هذه المكونات وتتفاعل هي أيضا كمجموعة مع المحيط الشامل( الأسرة الوزارة الأكاديميات و النيابات المجتمع المدني ,,,الخ) و إذا عوضنا السؤال التافه من المسؤول عن العنف في المدرسة هل المربي أم التلميذ ؟ بسؤال أعمق كيف وصلنا إلى هذه الظاهرة الخطيرة و ما السبيل إلى إعادة المدرسة إلى مجدها السابق.

يجب أن نعي جميعا أن المنظومة التعليمية حلقة في سلسلة أوسع وهي النظام السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي و الثقافي للبلاد و لا يمكن أن نحصن المدرسة من ممارسات نلمسها بل نكون ضحاياها في جميع المجالات من رشوة و فساد ومحسوبية و عنف.

إن المدرسة تتفاعل مع المحيط و ترتهن به فإذا صلح المحيط صلحت المدرسة، إن المربي ابن بيئته و ليس نبيا مختارا بل هو بشر يتفاعل مع مجتمعه يأكل الطعام و يمشي في الأسواق ويتخلق بأخلاق مجتمعه فكما أن هناك مفسدين و مرتشين و عديمي الضمير في كل المجالات فهناك أيضا مربون من هذه الطينة بل و قضاة و محامون و صحفيون على سبيل المثال لا الحصر .

كثيرا ما نتحدث عن التلميذ و نقول إنه صفحة بيضاء يكتب فيها المربون ما يشاؤون و ننسى أن الطفل يصل إلى المدرسة “كيسا” مليئا بتمثلات جاء بها من الشارع و البيت بل والوراثة و بالتالي لا يمكن للمدرسة و حدها أن تلقنه كل شيء في غضون ساعات يومية معدودات.

يجب على المجتمع أن يعي أن لكل منا دورا يجب أن يقوم به و أن هذه الأدوار مجتمعة تشكل سلسلة متفاعلة الحلقات .فللأسرة دورها و للمدرسة دورها و للمجتمع دوره و هذه الأدوار كلها”كالبنيان المرصوص إذا اشتكى منه عضو “إختل التوازن ووهن الجسد.

إن التعليم شأن مجتمعي يساهم فيه الجميع كل حسب موقعه و لكن مسؤولية تدبيره تقع على واضعي السياسة التعليمية سياسية تؤسس مدرسة تكون أبناء الوطن كله على الصدق و الإحترام التام للقوانين و تعتمد الإنصاف و المساواة والتكافؤ في الفرص و إلا فكم من المهندسين والأطباء والعلماء سيخسر الوطن و كم من الصعاليك و قطاع الطرق و المغتصبين ستعج بهم الأزقة في غفلة من الجميع و كم من سكين سيقطع رقبة مدرس أو طعنة غادرة ستقتل تلميذا نجيبا بريئا و كم من صفعة ستخلق منحرفا ناقما على مجتمعه و لقمة سائغة للتطرف و الإرهاب.

لقد علمتنا التجارب السابقة أن كل محاولات إصلاح المدرسة المغربية على قوتها لم تستطع أن تقود إلى الهدف المنشود لأن الشأن التعليمي رهين بالنظام السياسي الذي يجب أن يطاله إصلاح شمولي وتخليق للحياة السياسية وحكامة جيدة و إشراك فعلي للمعنيين يجعل مصلحة الوطن والمواطنين كل المواطنين فوق كل اعتبار و تلكم لعمري هي الديمقراطية الحقيقي.

‫تعليقات الزوار

7
  • أحمد اولاد عيسى
    السبت 2 فبراير 2013 - 13:15

    أحييك أخي محمد على مقالك الرائع الذي لا محالة قد أصابك بهمّ وغمّ شديدين بسبب ما صارت إليه وضعية مؤسساتنا التربوية. نعم العنف أصبح سيد الموقف في كل شيء،في البيت والمدرسة والشارع مما انعكس سلبا على نفسية الجميع. وتلك هي المعيشةالضنكة والعياذ بالله. و لا بد من التفكير بجدية في وضع خطط للتنمية الشاملة ،اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية حتى تستعيد المدرسة والمدرس والعلم والثقافة دورها الريادي. ويصبح العالم والمربي والمدرس هوالقدوة والنموذج المحتذى به، وليس كما يريدنا الاعلام الرخيص، بتسويقه نماذج فاشلة مواخيره الاعلامية روتانا ،من شاكيرا ومادونا و ميسيوحجي وهلم جرا.
    محبتي أيها البهي.

  • مدرسة
    السبت 2 فبراير 2013 - 20:30

    شكرا أخي الكريم على الموضوع . انه فعلا ظاهرة خطيرة لا بد من محاربتها.فمن خلال تجربتي الشخصية داخل القسم . أرى أن العنف لا يولد الا العنف.

  • أحمد
    الأحد 3 فبراير 2013 - 02:19

    شكرا على المقال أسي محمد . تبارك الله عليك .
    مزيدا من المقالات التنويرية.

  • محمد الزياني
    الأحد 3 فبراير 2013 - 23:03

    في البداية أشكرك أخي خييلي على ما ورد في مقالك من أفكار ومعلومات تريد من خلالها إثارة انتباه المجتمع إلى هذه الظاهرة الخطيرة التي تضر بالعملية التعليمية التعلمية في المدرسة بل تهدد كيانها.
    أريد فقط أن أضيف أن المدرسة المغربية لم تخل يوما من العنف إلا أنه كان على العموم في اتجاه واحد أي من البالغ إلى الطفل. وهذا ناتج عن النظرة الدونية للأول إلى الأخر والتي لا تزال سائدة إلى اليوم. غير أن معالجة الظاهرة لا يمكن أن تكون بمعزل عن المشاكل التي تعيشها المدرسة المغربية والتي مافتأت تتعمق إصلاح بعد إصلاح.
    قبل سويعات قليلة من صدور مقالك هذا كنت أقرأ كتيبا حول التواصل بدون عنف La communication non violente وعنوانه هو elever nos enfants avec bienveillanceخلاصة الكتاب أن الطفل يعتبر إنسانا من الدرجة الثالثة بعد الرجل والمرأة والطفل بيننا دوره يقتصر على تنفيذ الأوامر ليس إلا مما يخلق مقاومة لديه ويولد العنف.
    الموضوع شاسع ومتشعب ومعالجته تتطلب كثيرا من الدراسات للوقوف على الأسباب الكامكة وراءه.

  • houda
    الإثنين 4 فبراير 2013 - 02:24

    أشكر بدوري السيد خييلي على استعراضه لمختلف الأسباب و النتائج الخطيرة لهذه الظاهرة وعلى تأكيده على ضرورة إيجاد حلول علمية و قابلة للتطبيق على أرض الواقع أظن أن العنف الذي استفحل في المدرسة هو بمثابة نتيجة لظواهر اجتماعية مرتبطة فيما بينها والحل يجب أن يكون على شكل سلسلة مترابطة و متكاملة

  • kafaf
    الإثنين 4 فبراير 2013 - 21:20

    أشكرك على هذه المقالة، فعلا العنف في المدرسة أصبح مشكلة خطيرة خصوصا أنه لا يقتصر على التلاميذ بمختلف فئاتهم العمرية بل أصبح اأستاذ بدوره مصدر رعب باستعماله مختلف وسائل التعنيف و الترهيب مستخدمن كعذر أننا "شعب كيتمشى غير بلعصا"…
    و لا ننسالأستاذة التي ألقت بتلميذ من النافذة و قيل في ما بعد أنها تعاني مشاكل نفسية…أين هو دور المسؤولين بمختلف مراكزهم في تكوين المدرسين المعول عليهم في تربية رجال ونساء الغد ام أن المحسوبية و الرشوة طغت في جميع المناصب حتى الحساسة منها؟
    إن العنف في المدارس المغربية مشكل استفحل نتيجة الأمية، الجهل، عدم المسؤولية ولا مبالاة فلأسرة لا تبالي و المدرس لا يبالي و المدير و الوزير…
    و الحل لا يقتصر على دراسة أو اقتراح بل يتطلب التطبيق، الإرادة و المثابرة، على عكس حلول مسؤولينا التي بقية حبرا على ورق…

  • علي بداي
    السبت 16 مارس 2013 - 16:32

    يصف محمد عابد الجابري أساليب مدرسة المغرب الإبتدائية وكأنه يصف مدرسة عراقية حيث تتماثل أساليب العقاب بسبب أو لاسبب مع ماهو موجود في العراق الى حد مدهش حتى أن بوسعي ان اؤكد شخصيا انني سبق وان عشتها بلا سبب حين كنت في التاسعة من عمري..إنها قيم المجتمع القاسي التي تنتج مدرسة أشبه بجهاز قمعي ..حاولت أن أجملها في كتابي الذي سيصدر قريباً ..شكراً للسيد الكاتب.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة