"الكريساج" والحاجة إلى "الزطّاط"

"الكريساج" والحاجة إلى "الزطّاط"
السبت 23 يوليوز 2016 - 09:10

في العصور القديمة، مثل هذه الأيام، حيث وجدت “بلاد السيبة” و”بلاد المخزن”، أصدر بعض الفقهاء “فتاوى بإسقاط فريضة الحج على سكان المغرب، تجنبا للإلقاء بالنفس في التهلكة بسبب تعذر طرق البر”، كما جاء في كتب تاريخية من بينها “بين الزطّاط وقاطع الطريق” للسبتي. لم يَكُن بمقدُور الكثير من المسافرين المرور من بعض الأماكن إلا بالاعتماد على “زَطّاط”، يَحظى بالاحترام من طرف اللصوص أو يُخيف قاطعي الطرق.

ولو عاش بيننا هؤلاء الفقهاء الآن لأسقطوا على سكان الكثير من الأحياء واجب الذهاب إلى المدرسة والعمل والتبضع، بسبب انعدام الأمن في أماكن كثيرة في هذه المملكة، لاسيما وأن الأمر تشابَهَ، ولا يمر يوم دون أن تقرأ أو تسمع عشرات الأخبار عن السرقات تحت تهديد السلاح الأبيض، في مدن كثيرة من البلد. مما دفع نشطاء “فيسبوك” إلى طرق أبواب هذا الفضاء لعل صوتهم يصل إلى الذين يتقاضون رواتبهم من أموال الناس كي يضمنوا لهم الأمن والاستقرار والطمأنينة، دون أن يفعلوا ذلك بفاعلية.

فهل تريد الدولة أن يعمد المغاربة إلى كراء “زطّاطين”، كما في العصور الوسطى، كي يتمكنوا من مرافقتهم، هم وأبناؤهم حتّى يسلموا من هجوم العصابات المسلحة التي تستبيح ممتلكات البسطاء والضعفاء؟

لا يمكن إلاّ أن أساند الذين أطلقوا حملة “#زيرو كريساج”، بغضّ النظر عمن يكونون، فالأمر يهمنا جميعا، والدولة التي لا تستطيع أن توفر الأمن لمواطنيها ليست دولة و”لا ستة حمص”، مهما حاولت أن تجلب إليها الأنظار الدولية، وتنفق الملايير في أمور ثانوية، بينما مواطنوها لا يستطيعون الخروج ليلا، بل ولا نهارا، وهناك أماكن عمومية مُحرمة عليهم، وفق شرع اللصوص و”المشرملين”. إنها دولة، أشبه برب أسرة يدخن “المالبورو”، أو يضع السجائر الرخيصة بداخل العلبة الأنيقة، ليظهر بأنه “لا باس عليه”، وأبناؤه يجوبون الأزقة ببطون فارغة وعوراتهم بلا سراويل.

أي بلد هذا الذي يفتخر قادته وسياسيوه بأنه استثناء وينعم بالأمن والطمأنينة والمواطن البسيط لا يستطيع أن يتمشى دون أن يتحسس جيوبه كل مرة، بل هناك أماكن لا يستطيع فيها الرجل أن يُجيب فيها على مكالمة هاتفية بشارع رئيسي، لأن اللّصوص سوف يُعجبون بهاتفه الذكي، وإذا أُعجب لصّ بهاتفك أو حتى ابنتك، فما عليك إلا أن تُقدم له ذلك طواعية أو تموت دونه. فلا يمكن لمواطن أعزل أن يواجه جماعات مسلّحة بالسيوف والسكاكين، لا تفتخر الدولة بتفكيكها في القنوات الرسمية، بينما تفتخر بالقبض على ملتحِ كان ينوي أن يعتدي على الناس.

لا أستخف بمجهود رجال الأمن في تفكيك خلايا نائمة أو مستيقظة لا ترغب في أن يكون هذا البلد آمنا، كما نريد له جميعا، لكن هناك أفراد وعصابات تجاوزوا “مرحلة النية”، إلى “مرحلة التنفيذ”، سلبوا ممتلكات الناس، وأسالوا دماء من يقاومهم، وتسببوا في عاهات مستديمة لمواطنين عُزّل لا يسمح لهم القانون الذي يجب أن يُطبّق علينا جميعا بحمل الأسلحة للدفاع عن أنفسهم.

وأي فرق بين هؤلاء الذين يروعون الناس في بلدان أخرى تطبيقا لما يعتقدون أن شرع الله، وهؤلاء الذين يسلبون الناس ممتلكاتهم تطبيقا لشرع اليد؟ أعتقد بأن الفئتين معا خارجتان عن القانون، والإرهاب إرهاب مهما كان المُرهِب حاملا لإيديولوجية أو حاملا لسكّين. ويجب أن يكون الاهتمام بتفكيك العصابات المُسلحة التي تقضّ مضاجع الناس تماما كالاهتمام بإفشال مخططات الجماعات المتطرفة التي تريد أن تفرض مذاهبها على الناس بالقوة، فالغاية هي أن ينعم الذي يعيش في هذا البلد بالأمن، سواء كان سائحا بشعر أشقر في جيبه بعض الأوروهات، أو من كحل الراس الذي لا يثير نزيف جراحهم ولا حتى موتهم أحد.

صحيح إن المقاربة الأمنية لا تؤتي أكلها لوحدها، لكنها مطلوبة كحل مستعجل، وأن الذي يردد شعار “زيدونا من المدارس باراكا من البوليس”، عليه أن يكف عن ذلك. نريد بوليسا في كل مكان، وعسكرا إذا دعت الضرورة، وأن تعج السّجون عن آخرها بكل شخص يعتدي على آخر، أن يتم تطبيق كل تلك الترسانة القانونية للحفاظ على أمن المواطنين، وأن يكون هذا البلد آمنا كما يردد الفقهاء كل جمعة دون أن يُستجاب لهم، لقطع الطريق أمام كل من ينادي بإعمال شرع اليد، أو قطعه، أو غير ذلك. وموازاة مع المقاربة الأمنية المُستعجلة، تقوم الدولة باعتماد برامج تربوية وتوعوية.

ودون ذلك، فإن الكثير من المغاربة في الكثير من الأحياء لن يستطيعوا العيش دون “زطّاط”..

‫تعليقات الزوار

13
  • المهدي
    السبت 23 يوليوز 2016 - 09:54

    المغاربة امام تنامي المد الاجرامي بشكل مخيف ليسوا في حاجة الى الزطاط ، فهذا لن يفيد شيئا امام حملة السيوف والسواطير ، هذا عدا عن ان قطاع الطرق في الماضي لم يكونوا يعرفون القرقوبي ، الانسب لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد المغربي في سلامته الجسدية وسلامة زوجته وأبنائه هو استنساخ تجربة البرازيل في تشكيل كتائب الموت escadrons de la mort التي يتكفل سكان الأحياء بدفع رواتبهم ليطهروا الأحياء من الحثالات المجرمة حيث تتم تصفيتهم ليلا وترفع جثتهم النتنة من قارعة الطريق صباحا ، حتى اصبح المجرمون يعيشون رعبا حقيقيا من السكان المسالمين ، ينبغي مواجهة المجرم بجرم اعتى وأشد قسوة ، اما باقي الحلول فمجرد فشوش يزيد الكلاب مناعة .

  • le boycott,ça pique
    السبت 23 يوليوز 2016 - 10:41

    pour faire sentir notre besoin urgent de sécurité contre les agressions partout ,jour et nuit,une réaction simple;
    boycottons les élections du 7 octobre,
    seul le boycott peut faire bouger le gouvernement ,autrement, les élus ,après des promesses bidon nous diront,merci les idiots,mordez vos doigts!

  • أمكسا ن تغبالت
    السبت 23 يوليوز 2016 - 10:48

    أولا شكرا للكاتب على شجاعته ونتمنى من جميع المنابر الصحفية تناول الموضوع بكل شجاعة.
    أعتقد أن هناك الكثير من الاختلالات في بنية المجتمع المغربي بسبب غياب تطبيق القانون. لذلك من المهم مراجعة المسطرة الجنائية وتفعيل استقلال القضاء بأسرع ما يمكن. استقلال القضاء يعني جعل القانون فوق الجميع بحيث يتم معاقبة كل سارق مهما كان نوعه.
    بالنسبة للمجرمين على الدولة تجنيدهم في الأعمال الشاقة مثل العمل على بناء جدار أمني ثان في الصحراء وتعبيد الطرقات في المسالك الجبلية… يجب بناء سجون في أعماق الصحراء وحرمان اللصوص من الحرية لمدة طويلة بل وتعذيبهم لأن الكثير منهم يسرق من اجل المخدرات والكحول.

    المغرب لديه فرصة ليجعل من نفسه النموذج بسبب الانقلابات والهجومات الارهابية التي تحدث في اماكن أخرى لتحسين الوضع الأمني لتشجيع القطاع السياحي أكثر فأكثر.

  • الرياحي
    السبت 23 يوليوز 2016 - 11:49

    يعبر الكاتب بذكاء وأسلوب رائع عن ما يخلج في نفوس الناس.أما عن الزطاط فأخد وجه آخر وهم الحراس الخواص أو ما يسمى "السيريتيsécurité " والعجيب الغريب أن مؤسسات الدولة نفسها أصبحت تكتري خدماتهم.
    كيف لدولة بحاجة إلى الزطاط أن "تُزطط" المواطنيين.مواطنيين قليلا ما يُزططون قوتهم ولا أنفسهم.لا أتفق مع المعلق الأخ الكريم "المهدي " للدخول في حرب أهلية ومن يضمن أن الزطاط نفسه لن يلعب على حبلين ؟ يعني رجل مع الشفار ورجل مع مول الدار .
    ثانية سندخل في نطاق تغيير المنكر وهو من إحتكار الدولة وينزلق الأمر.الأمر في نظري سهل يجب فقط سن قانون يجعل من كل شاهر سلاح هذف للشرطي بدون مضايقات عن هذا الأخير.
    وللطرافة ، قضيت أسبوعين في حيي ولم أرى شرطي يجوب الحي إلا بعد أيام ، أقتربت منه وطلبت منه مازحا إلتقاط صورة معي "مات بالضحك" لما فهم قصدي .
    (إنك تعرفه يا المهدي "باب الجديد" )

  • عادل
    السبت 23 يوليوز 2016 - 12:50

    ما يحتاجه المغاربة في الظرفية الراهنة و امام.تنامي ظاهرة الكريساج سوى للأمن المغربي الذي عهدناه في صغرنا و الخوفع الدي كنا نحس به دون نفعل شيئا خارج القانون انها هبة السلطة داخل البلاد و لكن مع القوانين الدخيلة على اعرافنا هي من اوصلت الحال على ماش هو عليه حيت من حق المجرم الالتزام بالصمت اتناء القبض عليه و في حالة دخوله السجن فانه دهب ليقضي عطلته السنوية بالإضافة الى فرض بلطجيته على باقي السجناء بالإضافة الا ان بعض المجرمين اصبحو سكان دائمين بالسجون نظرا لما يكتسبوه من رزق داخلها لدا نطالب بتفعيل اقصى العقوبات على معترضي سبيل المواطنين مع الاعمال الشاقة ايضا ارجاع 18 شهرا لاشباه الرجال

  • أبوزيد
    السبت 23 يوليوز 2016 - 13:07

    الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾

    لااستقرار لأي مجتمع إلا بالأمنيين : الأمن الغذائي والأمن النفسي

  • الرياحي
    السبت 23 يوليوز 2016 - 13:42

    من الحلول الأخرى الطريفة هي إحياء الأخوة بالتبني (تَكامَتْ بالأمازغية من "أَكْما" الأخ ) يعني تتجول بخروف ولما ترى مشرمل ,أذبح الخروف تقربا من المشرمل وبدم الخروف تكتب عقد الأخوة وتنال إعجاب مشرملين المدينة.تنبيه للقارئ المغفل لا تحتاج حمل سكينة لذبح الخروف فالمشرمل من أهل السيف وقوته فوق رأس السيف.

  • المهدي
    الأحد 24 يوليوز 2016 - 09:33

    السي الرياحي تحية اخوية ، ربما يا أخي حسبتني شخصا آخر اسمه ايضا المهدي من أبناء حيك ، لست ذلك الشخص يا اخي فانا مقيم بالمهجر ومن مدينة الرباط التي أمكث بها طويلا قبل عودتي متثاقل الخطى الى غربتي ، احييك على تعليقاتك واجتهاداتك بنكهتها المحببة لكن وجب التنبيه أني لست من ساكنة باب الجديد ، فانا تحديدا ابن حي العكاري الشعبي بالرباط ولا فرق بين الاثنين تجدني احيانا على اعمدة التعاليق تحت اسم زينون الرواقي ليس للتخفي ولكن حتى لا يتكرر الاسم كثيرا فيصبح منفرا ومملا ، وفي نهاية المطاف فنحن كلنا أبناء هذا الوطن الذي تدفعنا غيرتنا عليه و ( النفس الحارة ) للقسوة عليه احيانا في تعاليقنا او كما يقول المثل : qui aime bien châtie bien ، مرة اخرى تحياتي ومودتي .

  • لوسيور
    الأحد 24 يوليوز 2016 - 11:45

    بسرعة فائقة تتدخل الدول لفك عصابة الارهابيين التي تهدد امنها.
    ولا تحرك ساكنا ضد التشرميل.
    الحل هو قصاص الشعب مباشرة من اللصوص..او القيام بتظاهرات مفتوحة في ارجاء المغرب.
    من واجب الدولة توفير الامن والعمل والسكن والتطبيب والتعليم..فاذا تخلت عن التزاماتها ولم توفر الامن يحق للمواطنين التخلي عنها وووووو
    رايت في سلا دكاكين وصيدليات وابناك تضع سياجا للحماية من الشطار والصعاليك انها مهزلة لم يعرف تاريخ المغرب مثيلا لها..وطن كان يضرب به المثل في الامن وصون الشرف والعرض اصبح معرة بين الدول..الامن فقط للسياح…سيبحث المغاربة عن البديل الذي سيوفر لهم الامن على الاقل

  • الرياحي
    الأحد 24 يوليوز 2016 - 12:53

    سي المهدي أحييك بدوري تحية أخوية ، يُقال الإنسان هو الأسلوب وأسلوبك جميل وقع خلط بمعلق جهبذ آخر بمناسبة موضوع حول المدينة القديمة.ما يثير الأنتباه هو عدد المعلقين من المهجر وحفظهم وإحتفاظهم على اللغة والقيم القديمة والغيرة "على البلاد" والتتبع اليومي لأخباره وهو شيئ يتوجب على السلطات الإنتباه إليه وإسحضاره عبر تمثيلة عادلة لمغاربة العالم
    مع المودة والتقدير

  • رايي الشخصي
    الأحد 24 يوليوز 2016 - 15:10

    بالله عليكم ألم تلاحظوا ان الامور انقلبت، بدل أن تقطع يد السارق هو الان يحمل السيف علينا. والله ان جعلتم كل مواطن شرطيا فلن يصحح الحال. هذا لان الذي شرع عقاب السارق ليس انسانا ولكنه الله العليم. فان طبق الحكم على واحد لن يجرأ غيره على التعدي بعد ذلك. من يرى انه خرق لحقوق الانسان فقد ظل، لانه على العكس حماية لجميع حقوق الغير

  • اقتراح
    الأحد 24 يوليوز 2016 - 22:45

    اتسال كثيرا لماذا لا يلقى القبض على والدي اللصوص الم يتستروا على ابنائهم(بدون عمل ومرفحين) اليسوا (الاباء) متواطئين في الكريساج

  • MARROKI DES USA
    الإثنين 25 يوليوز 2016 - 05:10

    j'adhere totalement à l'ides de Mr Mehdi , j'ai toujours adopté ce point de vue , seul ce moyen pourrait mettre fin à notre calvaire.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30

احتجاج أساتذة موقوفين