قراءة مغربية في فكرة " الجهاد "

قراءة مغربية في فكرة " الجهاد "
الجمعة 29 يوليوز 2016 - 18:24

لا يجهد المرء نفسه إزاء الحضور القوي لمفهوم ” الجهاد ” في الإسلام عموما والكتابات الموازية للنص القرآني الحكيم : سواء منها الفقهية أوالكلامية أوالأدبية أوالتاريخية أوالنوازلية بل والصوفية أيضا ( جهاد النفس والروح – نظرية الحلول – التأويل الباطني لمفهوم الجهاد في القرآن …)…لقد قيل وكُتب حول المفهوم الشيء الكثير، لكن الذي يهمنا بالأساس – في تقديري- هو مدى حضور الجهاد في الثقافة والتاريخ المغربيين وإحالاته الدلالية وامتداداته الرمزية، وعلى الأقل في مستوى الثقافة العالمة ( بمناسبة النقاش حول الجهاد ومادة التربية الإسلامية في المقررات المغربية ) فالذي يهمنا هنا هو التلميذ المغربي والمدرسة المغربية وهما يواجهان إشكاليات العصر.

بتأمل أولي بسيط نجد للجهاد فكرة وممارسة حيزا كبيرا في ما كتبه المغاربة ومعهم الأندلسيون طيلة مراحل الصراع بالأندلس والتدخل الحاسم في كثير من الأحيان للدول المغربية خاصة المرابطين والموحدين وبني مرين (نموذج كتابات الباحثين المتعمقين الأستاذ محمد مفتاح ومحمد بن شريفة مثلا ) دفاعا عن الإسلام ونصرة للمسلمين ببلاد الأندلس وفي إطار الصراع مع ممالك الشمال المسيحية كقشتالة وأرغون والبرتغال المدعومة من البابوية .

كلما تعمقنا في فترات تاريخ المغرب إلا وبدا لنا أنه ليس من السهل تجريد هذا المفهوم من معانيه ” المجالية ” و” الوطنية ” أو وضعه مرادفا لما يُنعت حاليا ب” الإرهاب ” وهو المفهوم المقيت المرفوض من جميع صوره، إذا أخذنا فقط مرحلة القرن الخامس عشر الميلادي بالمغرب الأقصى وهي الفترة تقريبا التي تبلور فيها بلدنا بحدوده الملتبسة، إذ تارة كان يسمى ” مملكة فاس ” وتارة ” مملكة مراكش ” وتارة ثالثة ” المغرب الأقصى ” أو ” الإيالة المغربية “…وأمام تفكك وانهيار الدولة الوطاسية التي كان يمكن أن تحمل مشعل ” الجهاد ” ورد الأعداء، أمام هذه الأوضاع الحرجة، تجند المغاربة من أقصى الريف والغرب ودبدو وتازا إلى أدني السوس ووادي نون تحت قيادة زعماء الجهاد وشيوخ الزوايا دفاعا عن وطنهم ودينهم أمام الغزو الاجنبي، ولم يكن المغاربة في أي وقت من الأوقات يفصلون بين الإسلام والمجال الجغرافي الذي يعيشون فوقه ( دار الإسلام أو الوطن بمفهوم محدد ) لنا في النص الشهير للناصري خير شاهد ” ولما نزل بأهل المغرب الأقصى ما نزل من غلبة عدو الدين واستيلائه على ثغور المسلمين تباروا في جهاده وقتاله …فكم من رئيس قوم قام لنصرة الدين غيرة واحتسابا، وكم من ولي عصر أو عالم مصر باع نفسه من الله ورأى ذلك صوابا ” وهنا تبرزت أسرة الاشراف السعديين على أساس الجهاد وتحرير الثغور المحتلة، وتجلى أوج الصراع في معركة وادي المخازن أو الملوك الثلاثة ( 04 غشت 1578م ) ضد البرتغال ومن تحالف معهم من قوات صليبية، ولعلم الجميع فقد شاركت قوات عثمانية في المعركة إلى جانب الجيش السعدي وجموع المجاهدين المغاربة حسب ما تؤكده بعض الوثائق التاريخية، وكان للشرفاء وشيوخ الزوايا والمتصوفة دور بارز في إلهاب الحماسة الدينية وروح الجهاد والدفاع عن الوطن المهدد، فتغير وجه التاريخ وأصبح للمغرب مهابة كبرى بين الدول واستمر ذلك عموما حتى وقعة إيسلي ( 1844 ).

بهذا الفهم الوطني الديني تعامل عموم المغاربة مع ” الجهاد”، من هنا تقاليد اليقظة والحذر وبهذا الفهم ألف الشيخ ابن يجبش التازي ( ت 920 هجرية ) كتاب ” الجهاد ” تنبيه الهمم العالية ” ومنذ ذلك الوقت انطلقت سيرورة متواصلة من الكفاح الوطني ولا نحتاج إلى التأكيد أنها ما زالت لم تنته بعد، وربما لن تنته حتى ياذن الله بنهاية الصراع في الكون، ولأن المغرب لا زال لم يحرر بعض ثغوره المحتلة كسبتة ومليلية مثلا…أكثر من ذلك فإن ملوكا وسلاطين وأمراء تنازلوا عن العرش و أُسقطوا بسبب هزيمة ما أوتبعا لتفريطهم في التراب الوطني مقابل صعود آخرين لنفس السبب ( أمثلة فقط : تدهور المرينيين بعد سقوط سبتة – الوطاسيون واحتلال الشواطئ – تحرير أكادير وآسفي على يد السعديين – تنازل المأمون السعدي للإسبان عن العرائش وفقدانه للشرعية السياسية – تحرير المعمورة من طرف المجاهد العياشي – استرجاع طنجة على يد م إسماعيل والصويرة على يد السلطان العلوي محمد بن عبد الله – مساندة المغرب لمقاومة الأمير عبد القادر الجزائري، والأمثلة تتعدد إلى حدود المسيرة الخضراء واسترجاع الصحراء ).

أرأيتم أحبائي المبحرين أن الإشكال أعمق وأعقد من مجرد حذف هذه الآية أو تلك يمكن أن يُفهم منها الدعوة للقتال وإهدار دم المخالف بإطلاق ؟….

نحن مع تحرير الخطاب الديني من حساسيته العدوانية القروسطية التي أُلصقت به جراء قرون الانحطاط والتفسير السلطوي الأيديولوجي وسد أبواب التأويل والعقل والاجتهاد، لكن المفهوم كما اتضح من الإطلالة التاريخية أعلاه حمال أوجه وله رجع صدى خطير على مستوى التاريخ والرأسمال الرمزي للمغاربة والأوفق – في نظري دائما – فتح نقاش واسع دون عقد أو خلفيات للوصول إلى تركيب متناسب مع المرحلة، قبل التسرع باتخاذ إجراءات يمكن أن تزيد الأمور تعقيدا، ثم ألا نعتبر أن الجهاد ارتبط دائما بالصراع وهو أحد قوانين الحياة أحببنا أم كرهنا، ويطلق عليه البعض مفهوم ” التدافع”؟. ومرة أخرى فكثير منا يرى ( وهو على صواب دون شك ) أن الجهاد الحقيقي هو التنمية والتقدم وضمان الديمقراطية والعيش الكريم للمواطن، هذه غايات متوخاة بالطبع لا يمكن إلا التصفيق لها، لكن الأمورحينما تلتبس بالمصالح والحسابات والسياسات، تصبح أشياء أخرى، والعبد لله أبعد عن تبرير إرهاب أو دفاع عنه، بل فقط هو في موقع محاولة التفسير والفهم ليس إلا .

نعم نحن مع القيم النبيلة للتسامح والحواروالحق في الاختلاف، لكن إلى أي حد تحضر هذه القيم في عالم متوحش أصبح يرتد بعدوانيته إلى العصور البدائية، يفكك المجتمعات والدول ويفرض نظرته المتكلسة القائمة على مشروع إنسان ذي بعد واحد رغم كل ما سجل من تقدم ورفاهية؟ هذا سؤال الأسئلة ولنا في الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله مثلا وتحريق دول الشرق العربي كسوريا وإبادة الشعوب وتدمير البيئة لفائدة الأمبرياليين وحكام الاستبداد وأرباب شركات الأسلحة والنفط الملعون والمتاع الاستهلاكي, لنا أفضع الأمثلة وأقواها دلالة على الوجه البشع للعملة، في ظل هكذا أوضاع لماذا لا يرفع البعض شعار الجهاد ولو أنه كلمة حق أريد بها باطل؟ .وما كان الجهاد في أي وقت هو قتل الأبرياء ومهاجمة الآمنين، في مثل هذه الأوضاع المنذرة بخطر داهم على الإنسانية ككل يصبح لاأقول لمفهوم الجهاد ولكن لفكرة المقاومة معنى كبيرا لصالح الشعوب المستغَلة المستضعَفة .

لا نتطرق للأوجه الأخرى المتعددة كجهاد النفس عن الشهوات والجهاد بمعنى التفاني في العمل والعطاء والإنتاج وخدمة الغيروالوطن وأداء الواجب (هو أيضا نوع رفيع من الجهاد ) وغيرها، لكن أرى أن نحصر أنفسنا – لضيق الحيز- في المفهوم السياسي الرمزي، ألسنا نطلق على عبد الرحمان اليوسفي أو أبي بكر القادري أو بن سعيد ايت يدروحتى الزعيم عبد الكريم الخطيب نعت “الأخ المجاهد ” تقديرا واحتراما ؟ نعم كانت الحركة الوطنية تطلق على كثير من زعمائها هذا الوصف ولم يقل أحد منا إن هؤلاء إرهابيون ( حاشا لله طبعا وباستثناء الخونة الذين باعوا وطنهم للحماية ) وعبر مراحل المقاومة المغربية المسلحة كان المناضلون يُعتبرون” مجاهدين ” عندنا ” منشقين “Dissidents” أو إرهابيينTerroristes”عندهم أوعند الاستعماريين منهم على الأقل، طبيعي والحالة هذه أن تختلف معايير الحكم بيننا وبينهم، وشتان بين القوى الاستعمارية الغاشمة والشعوب المقاومة المستضعفة، فلكل فترة تاريخية خصوصياتها وأتحدى في المقابل أن يدينوا بشكل واضح حركة الإرهاب الصهيوني أو جرائم فرنسا في الجزائروجرائرها الاستعمارية في المغرب المسماة زورا وبهتانا ” حرب التهدئة ” ( وذهب ضحيتها ما يناهز 100 ألف من المغاربة )على سبيل الأمثلة لا ألحصر .

هذا في الأخير لأقول : إن المفاهيم نسبية وهي وليدة مراحلها التاريخية وشروط إنتاجها سياسيا وإيديولوجيا ودينيا وثقافيا واجتماعيا وهذا هو المهم.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة