مجانية التعليم العالي بالمغرب، أية مجانية؟

مجانية التعليم العالي بالمغرب، أية مجانية؟
السبت 4 غشت 2012 - 19:44

منذ أعلن وزير التعليم نهاية مجانية التعليم العالي، ارتفعت الأصوات بالاحتجاج والتنديد من طرف أهل السياسية والنقابات والجمعيات، مستنكرة أن يتجرأ الوزير على المساس بهذا الحق المقدس أي الحق في التعليم المجاني، مما اضطره إلى العودة أمام الكاميرات ليعلن إعفاء الطبقة المتوسطة بعد أن أعفى الفقراء. بالمناسبة، لقد ذكرَنا بتعبير يقال عند الاستخدام الديماغوجي للمعلومات: أكل الثوم بفم الآخرين، فشكرا للسيد الوزير.

نعود للموضوع: إن لمحة بسيطة حولنا تمكننا من الإدراك أن مجانية التعليم في المغرب ما هي في الحقيقة إلا وهم. إذا بدأنا برياض الأطفال ودور الحضانة، فليست أبدا مجانية بل كلها بالمقابل الذي يدفعه الآباء، علما أن إنجاب الأطفال لم ولن يكون أبدا محصورا على الأغنياء.. وهكذا فالطبقتان الفقيرة والمتوسطة مضطرتان لتأدية مصاريف الحضانة والتعليم ما قبل الابتدائي لأن الدولة نفضت يدها عن هذا القطاع.

الآن،ما هو واقع الحق في التعليم الإلزامي والمجاني من سن 6 إلى 15 سنة؟ لقد تعب الآباء من رؤية بناتهم وأبنائهم يلعبون دور فئران التجارب في مختلف الإصلاحات التعليمية ذات الطابع الديماغوجي أكثر من البيداغوجي في المدرسة العمومية، فاختار الكثير منهم ومن مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، اللجوء إلى التعليم الخصوصي والذي ليس بالضرورة أفضل من العمومي نظرا لضعف آليات المراقبة، فيدفعون واجبات التعليم الابتدائي والإعدادي، بل قد تجد منهم من أجرته لا تفوق الحد الأدنى ورغم ذلك يضحي من أجل أبناءه.

ربما يجب البحث في معطيات المندوبية السامية للتخطيط حول إحصائيات الأسر التي ترسل أطفالها إلى المدارس والإعداديات الخاصة. لا شك أن الأرقام ستكون مفاجئة لدرجة يصبح معها التساؤل مشروعا عن جدية الحديث عن مجانية التعليم على هذا المستوى.

تبقى فقط المدارس الثانوية العمومية هي التي تحظى بالتقدير من طرف الآباء والأمهات الذين لا يملكون الإمكانيات المادية التي يتطلبها القطاع الخاص، والتي ترتفع تكلفتها باستمرار كما يعلم الجميع، أو الذين لم يستطيعوا اقتحام قلاع البعثات الأجنبية رغم استعداد بعضهم لتمريغ كرامتهم من أجل الظفر بمقعد فيها. في تلك الثانويات العمومية تجد الأسر نفسها في مواجهة إضرابات الأساتذة وغياب بعضهم باستمرار وأخيرا ديكتاتورية الدروس الخاصة.

ثم نصل إلى موضوع مجانية التعليم العالي وهي حقيقة نعترف بوجودها ولكنها مجانية باهظة الثمن إن صح التعبير! لقد كاد أن يصبح هذا التعليم فقيرا معوزا بعد النزيف الحاد الذي أصابه من جراء عملية المغادرة الطوعية الناتجة عن قرار حكومي غير مسؤول. لقد غادره خيرة الأساتذة و من بقي منهم، إلا من رحم ربك، تعوزهم المهنية العالية فأصبحوا للأسف الشديد يغضون الطرف عن الوباء المتفشي في الجامعات والمتمثل في عملية “انسَخْ ثم ألصِقْ ” التي ابتلي بها الطلبة. كما أن الجامعات أصابها مرض آخر وهو تفشي غياب الأساتذة الذين يفضلون تخصيص وقتهم لإنجاز الخبرات مقابل المال بدلا من الاهتمام بالدروس التي هي واجبهم الأساسي ويتقاضون من أجلها أجرتهم، بل إن منهم من تصل به الوقاحة إلى التغيب يوم الامتحان.

أما التسجيل في سلك الدكتوراه في بلادنا فقد أصبح بدوره محفوفا بالمكاره حيث يجب أولا المرور عبر غربال مسطرة للدكتوراه شديدة السيادة كأنها جعلت من التسجيل غاية في حد ذاتها وأغفلت عامل المَلَكة والقدرة على الاضطلاع بالبحوث العلمية، فأصبحت تشكل عائقا أمام تطوير البحث العلمي.

وهكذا، سواء كان مجانياً أم لا، يبقى التعليم العالي في المغرب يعاني من حالة تفكك كبير تزيد من إنهاك الحاصلين على الباكالوريا الذين يلجون إليه وهم لا يجيدون لا اللغة العربية ولا الفرنسية، فيجعل منهم مواطنين غير قادرين على التأقلم بسهولة مع النشاط المهني الحديث.

ربما سيساعد فرض الرسوم على التسجيل في تمويل بنايات أكاديمية جديدة أو صيانة البنايات الموجودة، ولكن هل سيساهم في تحسين جودة التعليم ؟ لا نعتقد ذلك . تحسين الجودة يتطلب تقييما صارما للأساتذة وإجراءات لتشجيع وتحفيز المتميزين وكذلك معاقبة من لا يقوم منهم بواجبه بإخلاص، مع نشر نتائج عملية التقييم.

كما ينبغي تطبيق المساءلة إزاء الأطر الإدارية الذين غالباً ما يتسترون وراء وضعهم كموظفين ليتملصوا من التزاماتهم فينتقلون من إضراب إلى إضراب تاركين المؤسسات إلى مصيرها المتعثر.

أما الطلبة فينبغي أن يتشبعوا بدورهم بميثاق الأخلاقيات الذي يجدر بالجامعات أن تلزمهم به كما هو الشأن في بلدان أخرى لكي يعرفوا بوضوح ما هي واجباتهم و ما هي حقوقهم.

إن فرض رسوم على التسجيل الجامعي سوف لن يرفع بأي حال من الأحوال من أداء وجودة التعليم الجامعي أو التعليم بشكل عام. ذلك أن الرسوم موجودة بالفعل، تؤديها الأسر منذ مرحلة روض الأطفال ولكنها ليست ضامنة الجودة.

‫تعليقات الزوار

11
  • Mohammed
    السبت 4 غشت 2012 - 20:16

    Analyse percutante,vous avez identifié le vrai problème dont souffre l'enseignement dans notre pays,malheureusement on a tendance à laisser de côté ce qui est crucial pour se tourner vers les futilités qu'on amplifie assez souvent dans une intention propagandiste.Hélas

  • Docteur X
    السبت 4 غشت 2012 - 20:37

    c la politique des anciens gouvernements et non pas les enseignants dont tu ne connais pasla competence qui sont responsables de la degradation du niveau des etudiants. qui a pris la decision d arrabiser le secondaire et laisser le superieur..

  • بوشعيب
    السبت 4 غشت 2012 - 20:44

    بالفعل فانّ آفة التعليم الخصوصي والساعات الإضافية هي مظاهر لازمة :
    1- التعليم الخصوصي خالي من ايّة رقابة تربوية عملية عليه,مع العلم انّ واجبات ورسوم الدراسة لا تناسب ما يقدم ولا الفضاءات و لا الأنشطة و لا هم يحزنون..
    2- الساعات الإضافية اداة للإغتناء بالنسبة لكثير من الأساتذة الذين اصبحوا يؤدونها كما لو كانو في دكّان لبيع المواد الغذائية و ينتقل هذا السلوك عندهم بحكم المداومة عليه الى عملهم في القسم..فيكون عملهم في القسم اضعف كانما يؤدون عملا تطوّعيا مع العلم انه هو الذي يعطيهم الوضع الإعتبار الذي يرتزقون منه و يعطيهم وضعهم المادي داخل وظيفتهم..
    الوزارة والقوانين والسلطات المعنية لا تحرك ساكنا.
    النتيجة نتائج مدرسية مغشوشة سواء العالية منها او الدنيا..بفعل لا مسؤولية الاساتذة سواء في نفخ النقط او في عدم تقويم التلاميذ بشكل مقبول..
    الداودي او الوفا لا يقدرون على شيئ لانهم لا يمتلكون حتى رؤية واضحة للمجال الذي يشتغلون فيه اضف الى ذلك عدم امتلاك هذه الحومة لاية سلطة حقيقة تمكنهم من اصلاح او تغيير شيئ.

  • SALIM
    السبت 4 غشت 2012 - 21:06

    ان قرار خوصصة التعليم قرار لا ينبع عن شخص واع و لا عن شخص عارف بهدا المجال الوزير الداودي تدرع ان الجامعات الاوربية زادت في الرسوم فيجب تنبيه الوزير ان المؤسسلت التي يلجها المغاربة في ايطاليا اسبانيا اوكرانيا روسيا رومانيا فهي مؤسسات خاصة خاصة اوربا الشرقية اما فرنسا و بلجيكا فعموما مؤسسات عامة و لا يؤدي فيها الطالب اي رسوم الا ان في هده الدول و في امريكا و كندا هناك مؤسسات خاصة ولا يلجا اليها الا النجباء و رسومها غالية جداو مع دلك تساهم الدولة بمنح للمتفوقين الا انها توفر تعليما عاليا جدا اد توفر اخر تكنولوجيا في العالم فلا يمكن مقارنة هده الدول بكليات الطب و الهندسة في الجامعة المغربية التي لم توفر حتى الاساتدة و الكمبيوترات فما بالك بالاجهزة المتطورة فالجراحون في المغرب يدرسون مادة التشريح في الكتب تم يطبقون على المرضى لعدم وجود جتت للتدريب
    فلا ندري الى اين ستدهب هده الاموال ادا كان الطالب يعتمد على حفظ دروس نظرية ليتخرج

  • ملتحق
    السبت 4 غشت 2012 - 21:51

    الله يعطيك الصحة الاخت فتيحة

    لقد قلت ما قل و دل رغم تعذر التحاقي بالمؤسسات العليا لكن يبقى كلامك منطقيا

    جدا جدا

  • عمر بنلحسن
    الأحد 5 غشت 2012 - 01:16

    "حسن الجودة يتطلب تقييما صارما للأساتذة وإجراءات لتشجيع وتحفيز المتميزين وكذلك معاقبة من لا يقوم منهم بواجبه بإخلاص، مع نشر نتائج عملية التقييم".نعم هذا صحيح تماما ….
    لكن للاسف الشديد أن نسبة عالية جدا من نساء ورجال التعليم، تعتبر ان المراقبة والمحاسبة تمثل ضربا من الاساءة …. ولعل خير دليل على هذا ان اصواتا عديدة تعالت بمجرد اعلان الوزير الوفا ان رقما اخضر سيوضع رهن اشارة اباء واولياء التلاميذ للتبليغ عن تغيب الاساتذة … لماذا الوقوف ضذ الرقم الاخضر اذن ؟؟؟ سؤال يلخص درجة الفساد التي تعشش في العقول ، فلا حول ولا قوة الا بالله

  • جمعية الاباء
    الأحد 5 غشت 2012 - 03:07

    راه الحريرة في التعليم الابتدائي
    لا ناهي لا منتهي
    التجمعات بالساعات
    التغيبات حدث و لا حرج
    التلميذ في المستوى السادس الابتدائي لا يحسن كتابة اسمه الا من رحم ربي

  • سعيد
    الأحد 5 غشت 2012 - 07:36

    مقالة رائعة دون مبالغة، تعبر عن مشاكل التعليم العالي بالمغرب

  • TAGADIRT
    الأحد 5 غشت 2012 - 11:13

    ان المبادرة التي اتخها الوزير مبادرة اكثر من جريئة حتما ستعطي الفرصة للجميع للمتابعة تعليمهم الجامعي

  • بوشعيب
    الأحد 5 غشت 2012 - 14:05

    الهدر والضياع و عدم المسؤولية باديا في الإبتدائي.

  • une citoyenne
    الأحد 5 غشت 2012 - 20:31

    الحريرة ديال بصح هي الخريطة المدرسية وما نتج عنها من تراجع مهول في مستوى التعليم وانحطاط في الاخلاق. فالاساتذة يطلب منهم نفخ النقط لان الكل سينجح مسبقا في الابتدائي وتقول حنا كنقريو العباقرة وفي الاعدادي يبدا التلميذ يعي بان لا شئ يضمن له العمل او الوظيف بعد الدرا سة فتصبح عنده وسيلة للترفيه ,التسلية , ابراز للعضلات اوالتفريغ لمكبوتاته. وطبيعي ان الاباء هم من يبحثون عن توفير الساعات الاضافية لابنائهم ولو على حسابهم وغالبا ما نلاحظ ان التلاميذ اللذين اعتادوا الكسل لن يفيدهم هذا الدعم في شئ. وانا شخصيا ضد الساعات الاضافيه ولم الجا لها في حياتي .

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء